فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

والظاهر أنّ المراد هنا النقباء الّذين أقيموا لجند إسرائيل.
والمعيّة في قوله: {إنّي معكم} معيّة مجازية، تمثيل للعناية والحفظ والنصر، قال تعالى: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنِّي معكم} [الأنفال: 12]، وقال: {إنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وأرى} [طه: 46] وقال: {وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد: 4].
والظاهر أنّ هذا القول وقع وعدًا بالجزاء على الوفاء بالميثاق. اهـ.

.قال الفخر:

إن الكلام قد تم عند قوله: {وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ} والمعنى إني معكم بالعلم والقدرة فأسمع كلامكم وأرى أفعالكم واعلم ضمائركم وأقدر على إيصال الجزاء إليكم، فقوله: {إِنّى مَعَكُمْ} مقدمة معتبرة جدًا في الترغيب والترهيب، ثم لما وضع الله تعالى هذه المقدمة الكلية ذكر بعدها جملة شرطية، والشرط فيها مركب من أمور خمسة، وهي قوله: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَءاتَيْتُمْ الزكاة وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضًا حَسَنًا} والجزاء هو قوله: {لأُكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سيئاتكم} وذلك إشارة إلى إزالة العقاب.
وقوله: {ولأُدخلنكم جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} وهو إشارة إلى إيصال الثواب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {لئن أقمتم الصلاة} الآية.
استئناف محْض ليس منها شيء يتعلّق ببعض ألفاظ الجملة الّتي قبلها وإنَّما جمعهما العامل، وهو فعل القول، فكلتاهما مقول، ولذلك يحسن الوقف على قوله: {إنّي معكم}، ثم يُستأنف قوله: {لئن أقمتم الصّلاة} إلى آخره.
ولام {لئن أقمتم} موطّئة للقسم، ولام {لأكَفِّرَنَّ} لام جواب القسم، ولعلّ هذا بعض ما تضمّنه الميثاق، كما أنّ قوله: {لأكفرنّ عنكم سيّئاتكم} بعض ما شمله قوله: {إنِّي معكم}.
والمراد بالزكاة ما كان مفروضًا على بني إسرائيل: من إعطائهم عشر محصولات ثمارهم وزرعهم، ممّا جاء في الفصل الثامن عشر من سفر العدد، والفصل الرابع عشر والفصل التاسع عشر من سفر التثنية.
وقد مضى القول فيه عند قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} في سورة البقرة (43).
والتعزيرُ: النصر.
يقال: عزَره مخفّفًا، وعزّره مشدّدًا، وهو مبالغة في عزَرَهُ عزرًا إذا نصره، وأصله المنع، لأنّ النّاصر يمنع المعتدي على منصوره.
ومعنى {وأقرضتم الله قرضًا حسنًا} الصدقات غير الواجبة.
وتكفير السيّئات: مغفرة ما فرط منهم من التعاصي للرسول فجعل الطاعة والتوبة مُكفّرتين عن المعاصي. اهـ.

.قال الفخر:

{فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل}.
أي أخطأ الطريق المستقيم الذي هو الدين الذي شرعه الله تعالى لهم.
فإن قيل: من كفر قبل ذلك أيضًا فقد ضل سواء السبيل.
قلنا: أجل، ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم لأن الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذا زادت النعمة زاد قبح الكفر وبلغ النهاية القصوى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فقد ضلّ سواء السبيل} أي فقد حاد عن الطريق المستقيم، وذلك لا عذر للسائر فيه حين يضلّه، لأنّ الطريق السوي لا يحوج السائر فيه إلى الروغان في ثنيّاتٍ قد تختلط عليه وتفضي به إلى التيه في الضلال. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ} الآية، وذلك أنّ اللّه تعالى وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وهي الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبارون، ووعده أن يهلكهم ويجعل أرض الشام مساكن بني إسرائيل، فلما تركت بني إسرائيل الدّار بمصر أمرهم اللّه تعالى المسير إلى أريحا أرض الشام وهي الأرض المقدسة.
وقال: يا موسى إني قد كتبتها لكم دارًا قرارًا فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فإني ناصركم عليهم، وخذ من قومك إثني عشر نقيبًا من كلّ سبط نقيبًا يكون كفيلًا على قومه بالوفاء منهم على ما أُمروا، به فاختار موسى عليه السلام النقباء وهذه أسماؤهم: من سبط روبيل: شامل بن ران، ومن سبط شمعون: شاقاط بن [حوري]، ومن سبط يهودا: كالب بن يوقنا، ومن سبط آبين: مقايل بن يوسف، ومن سبط يوسف، وهو سبط إفراهيم ويوشع بن نون، ومن سبط بيامين: قنطم بن أرقون ومن سبط ريالون: مدي بن عدي، ومن سبط يوسف وهو ميشا بن يوسف: جدي بن قامن، ومن سبط آهر: بيانون بن ملكيا ومن سبط تفتال: نفتا لي محر بن وقسي، ومن سبط دان: حملائل بن حمل، ومن سبط أشار: سابور بن ملكيا.
فسار موسى ببني إسرائيل حتّى إذا قربوا من أرض كنعان وهي أريحا. بعث هؤلاء النقباء إليها يتجسّسون له الأخبار ويعلمونه فلقيهم رجل من الجباريّن يقال له عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثون ذراعًا وثلث ذراع.
قال ابن عمر: كان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من أقرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله.
ويروى له أنه رأى نوحًا يوم الطوفان فقال: إحملني معك في سفينتك، فقال له: أُخرج يا عدو اللّه فإنّي لم أُؤمر بك وطبق الماء ما على الأرض من جبل وما جاوز ركبتي عوج، وعاش عوج ثلاثة ألاف سنة ثم أهلكه اللّه على يد موسى، وكان لموسى عليه السلام عسكر فرسخًا في فرسخ، فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم جاء فنحت الجبل فأخذ منه بصخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم فبعث اللّه تعالى إليه الهدهد ومعه المص يعني منقاره حتّى نقر الصخرة فانثقبت فوقعت في عنق عوج فطوقته وأقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع وتراقي السماء عشرة أذرع فما أصاب إلاّ كعبه وهو مصروع بالأرض فقتله.
قالوا: فأقبلت جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتّى جزّوا رأسه فلما قتل وقع في نيل مصر فجسرهم سنة وكانت أمّه عنق ويقال عناق إحدى بنات آدم، ويقال: إنّها كانت أوّل من بغت على وجه الأرض وكان كل إصبع من أصابعها ثلاثة أذرع وذراعين، وفي كل إصبع ظفران حديدان مثل المنجلين. وكان موضع مجلسها جريبًا من الأرض.
فلمّا بغت بعث اللّه عز وجل عليها أسدًا كالفيلة وذئبًا كالإبل ونسورًا كالحمر وسلّطهم عليها فقتلوها وأكلوها.
قالوا: فلما لقيهم عوج وعلى رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته وحجزة الإزار معقد السراويل التي فيها التكّة فانطلق بهم إلى امرأته وقال: أُنظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا، فطرحهم بين يديها.
وقال: ألا أطحنهم برجلي، فقالت امرأته: لا بل خلِّ عنهم حتّى يخبروا قومهم بما رأوا، ففعل ذلك فجعلوا يتعرّفون أحوالهم، وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلاّ خمسة أنفس منهم في خشبة ويدخل في شطر الرّمانة إذا نزع حبّها خمسة أنفس أو أربعة، فلمّا خرجوا قال بعضهم لبعض: يا قوم إنّكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم ارتدّوا عن نبي اللّه ولكن اكتموا وأخبروا موسى عليه السلام وهارون فيكونان هما يريان رأيهما، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك. ثم انصرفوا إلى موسى وحاول بحبّة من عنبهم وفرّ رجل منهم، ثم إنّهم نكثوا العهد، وكل واحد منهم نهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى، إلاّ رجلان منهم يوشع وكالب، فذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثني عَشَرَ نَقِيبًا}.
وقال اللّه لبني إسرائيل {إِنِّي مَعَكُمْ} ناصركم على عدّوكم.
ثم ابتدأ الكلام فقال عزّ من قائل: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ} يا معشر بني إسرائيل {الصلاة وَآتَيْتُمُ الزكاة وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أي ونصرتموهم ووقرتموهم.
وأشعر أبو عبيدة:
وكم من ماجد منهم كريم ** ومن ليث يعزّر في الندي

ويروى: وكم من سيّد يُحصى نداه ومن ليثِ.
{وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضًا حَسَنًا} ولم يقل أقراضًا، وهذا مما جاء من المصدر بخلاف المصدر كقوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران: 37] {لأُكَفِّرَنَّ} لأستبرءنّ ولأمحوّنّ {عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السبيل} أي أخطأ قصد السبيل وهو لكل شيء وسطه، ومنه قيل للظهر: سواء. اهـ.

.قال البغوي:

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} وذلك أن الله عز وجل وعد موسى عليه السلام أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وهي الشام، وكان يسكنها الكنعانيون الجبارون، فلما استقرت لبني إسرائيل الدار بمصر أمرهم الله تعالى بالسير إلى أريحاء من أرض الشام وهي الأرض المقدسة، وكانت لها ألف قرية في كل قرية ألف بستان، وقال: يا موسى إني كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فإني ناصرك عليهم، وخذ من قومك اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به، فاختار موسى النقباء وسار موسى ببني إسرائيل حتى قربوا من أريحاء فبعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الأخبار ويعلمون علمها، فلقيهم رجل من الجبابرة يقال له عوج بن عنق، وكان طوله ثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاث وثلاثين ذراعا وثلث ذراع، وكان يحتجر بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله، ويُروى أن الماء طبق ما على الأرض من جبل وما جاوز ركبتي عوج وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يدي موسى عليه السلام، وذلك أنه جاء [وقلع] صخرة من الجبل على قدر عسكر موسى عليه السلام، وكان فرسخا في فرسخ، وحملها ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت في عنقه فصرعته، فأقبل موسى عليه السلام وهو مصروع فقتله، وكانت أمه عنق إحدى بنات آدم وكان مجلسها جريبا من الأرض، فلما لقي عوج النقباء وعلى رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر وجعلهم في حجزته وانطلق بهم إلى امرأته، وقال انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، وطرحهم بين يديها وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لا بل خلِّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا، ففعل ذلك.
ورُوي أنه جعلهم في كُمِّه وأتى بهم إلى الملك فطرحهم بين يديه، فقال الملك: ارجعوا فأخبروهم بما رأيتم، وكان لا يحمل عنقودا من عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع منها حبها خمسة أنفس، فرجع النقباء وجعلوا يتعرفون أحوالهم، وقال بعضهم لبعض يا قوم: إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم ارتدوا عن نبي الله ولكن اكتموا، وأخبروا موسى وهارون فيريان رأيهما وأخذ بعضهم على بعضهم الميثاق بذلك، ثم إنهم نكثوا العهد وجعل كل واحد منهم ينهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى: إلا رجلان فذلك قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا}. اهـ.